تقديم الخدمات في ظل التحديات: مجلس فقوعة نموذج للصمود المحلي والتعاون المجتمعي
لم يكن مفاجئًا تمادي إسرائيل في اقتراف الجرائم بعد حروبها مطلقة اليد على فلسطين منذ حرب النكبة، ونقلها بدرجات متفاوتة لتبلغ ذروتها في يومنا هذا. تعيش قرية فقوعة منذ زمن على وقع معاناة قاسية من مصادرة الأراضي وشحّ المياه وتدهور الاقتصاد. في النكبة الأولى، استولت إسرائيل على 30,000 دونم من أراضي القرية، وجاء جدار الفصل العنصري ليلتهم ألف دونم إضافي. أما الزراعة، التي كانت شريان الحياة للقرية، فقد توقفت تقريبًا بسبب نقص المياه، ما جعل الأرض عطشى وغير مثمرة. على الصعيد الاقتصادي، يواجه السكان تحديات هائلة، إذ يعتمد العديد منهم على العمل داخل الأراضي المحتلة لقرب القرية من الحدود، بينما اتجه 65% من سكان فقوعة للعمل في القطاعين الحكومي والخاص، مستفيدين من المستوى التعليمي المرتفع الذي يعد أحد الأصول القليلة التي لم تصادرها إسرائيل.
ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة وامتداداتها في الضفة، واجه مجلس قروي فقوعة تحديات غير مسبوقة على الأصعدة الاقتصادية والخدماتية والاجتماعية. فقد تأثر قطاع الموظفين في القرية بشكل كبير نتيجة قلة الرواتب الحكومية، ما أدى إلى تدهور أوضاعهم المعيشية. وازدادت وتيرة الاقتحامات التي تتعرض لها القرية، والتي أسفرت عن تدمير البنية التحتية الأساسية مثل الطرق وشبكات الكهرباء والمياه، ما جعل تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين أشبه بمحاولة شق طريق في صخرٍ صلب. بالإضافة إلى ذلك، تأثر النشاط الزراعي بشكل كبير، حيث بات الوصول إلى الأراضي وزراعتها أكثر تعقيدًا في ظل الاقتحامات المتكررة، مما عمّق من الأزمة الاقتصادية في القرية.
وانطلاقًا من مسؤوليته في تعزيز صمود المجتمع في مواجهة الأزمات، أطلق مجلس قروي فقوعة منذ اللحظات الأولى للعدوان خطة عمل متكاملة للحد من تداعياته على المجتمع المحلي. وبهذه المبادرة، يؤكد المجلس التزامه بحماية أهالي القرية وضمان استمرارية تقديم الخدمات الأساسية، مع التركيز على تلبية الاحتياجات الضرورية وتعزيز التضامن المجتمعي في هذه الظروف الصعبة.
وانسجامًا مع استراتيجيته في حماية المواطنين وتخفيف معاناتهم، عمل المجلس القروي على تنفيذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تقليل الآثار السلبية للانتهاكات والاقتحامات على محافظة جنين. وقد تمحورت هذه الإجراءات حول تخفيف الاقتصادية والمعيشية عن كاهل المواطنين، وقد تضمنت هذه الإجراءات تأجيل الالتزامات المالية وتقديم الإعفاءات اللازمة، بهدف مساندة الأسر المتضررة تمهيدًا لمرحلة التعافي.
إلى جانب دوره في تعزيز الصمود المجتمعي، حرص المجلس على توفير فرص عمل ودعم إغاثي من خلال خطط تشغيلية ولجان مؤازرة. كما امتد دور المجلس إلى مساعدة القرى المجاورة من خلال توفير المعدات والآليات اللازمة لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة. واهتم المجلس بشكل خاص بالفئات المهمشة في المجتمع، حيث عمل على تأمين احتياجاتهم الأساسية وتحسين أوضاعهم المعيشية.
وحرص المجلس على استمرار تقديم الخدمات الأساسية للسكان دون تحميلهم أعباء إضافية. فقد قام بتأجيل سداد الديون والأقساط المالية المستحقة، مما أتاح للمواطنين المتضررين فرصة التركيز على التعافي. كما وفر المجلس إمكانية شحن بعض الخدمات الأساسية مثل الكهرباء بالدين وبسقوف مالية محددة، لحين انتهاء الظروف الصعبة. وتم إعفاء بعض الأسر المهمشة، التي تفتقر إلى معيل مباشر، من رسوم الكهرباء والمياه بعد إجراء دراسة تقييمية لأوضاعهم. بالإضافة إلى ذلك، ركز المجلس على مساندة ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال توفير الأدوية والعلاجات اللازمة لرعايتهم الصحية.
وفي إطار جهوده لتوفير فرص عمل ودعم الأسر المتعثرة ماليًا، ركز المجلس على تمكين أرباب الأسر المتضررة من الأزمة من خلال تكليفهم بأعمال محددة تُسهم في تلبية احتياجات المجتمع المحلي، مما ساعد على التخفيف من الآثار الاقتصادية السلبية الناتجة عن الاعتداءات. كما شكّل المجلس لجنة دعم بالتعاون مع مؤسسات شريكة والمجتمع المدني لجمع التبرعات وأموال الزكاة، وتركزت الجهود على توزيع الطرود الغذائية وكوبونات شحن الخدمات الأساسية. ساعدت هذه الأنشطة في تعزيز روح العمل التطوعي وتوسيع نطاق المبادرات داخل القرية.
ويواصل مجلس قروي فقوعة العمل انطلاقًا من البعد الوطني والإنساني، مركّزًا على استدامة الخدمات وتعزيز قدرته على مواجهة الأزمات المستقبلية. ومن خلال تطوير استراتيجيات طويلة الأمد لتحسين البنية التحتية وتوفير الدعم اللازم، يمثل المجلس نموذجًا لالتزام الهيئات المحلية الفلسطينية بدعم المواطنين في أوقات الشدة. ورغم التحديات الكبيرة، فإن التفاني المستمر في خدمة المجتمع يعكس إرادة قوية للصمود والتعافي.