الأزمة الإنسانية في الخليل: مواجهة التحديات وسط تصاعد العدوان على فلسطين
إعداد: بلدية الخليل
ازداد الوضع في فلسطين سوءًا منذ السابع من أكتوبر 2023. وقد ترك العدوان المتجدد من قبل القوات الإسرائيلية أثرًا مدمرًا على قطاع غزة، وامتد تأثيره إلى الضفة الغربية، بما في ذلك مدينة الخليل كمركز حضري رئيسي في الضفة الغربية. إلا أن بلدية الخليل وفي ظل البيئة المعقدة والمتقلبة، أظهرت على الدوام التزامًا قويًا بتعزيز المرونة والاستجابة للاحتياجات المستجدة للمواطنين، باستخدام نهج متجذر بعمق في مبادئ التنمية والشمول والقدرة على الصمود.
ويتجلى التزام بلدية الخليل ببناء القدرة على الصمود وتحسين جودة حياة سكانها بشكل خاص في استجابتها للأزمة الحالية. ومع مواجهة المدينة لتداعيات العدوان المتصاعدة حدته، اتخذت البلدية إجراءات حاسمة لضمان استمرارية الخدمات الأساسية ودعم مواطنيها. بما يشمل تنفيذ خطط الطوارئ لمعالجة القضايا الحرجة مثل إدارة النفايات وشح المياه وإغلاق الطرق. ومن خلال الحوكمة الاستباقية، أظهرت بلدية الخليل قدرة على التكيف، بما يضمن تلبية احتياجات سكانها حتى في مواجهة الصعوبات. ولا يقتصر نهج البلدية على الاستجابة فحسب، بل لديها رؤية طموحة للمستقبل، مع التركيز على التنمية الحضرية المستدامة وتمكين المجتمع.
استهداف صلاحيات بلدية الخليل: خطوة نحو ضم البلدة القديمة
حددت "اتفاقية الخليل" المعروفة باسم "بروتوكول إعادة الانتشار" الموقعة في 15 يناير/كانون الثاني 1997، بين منظمة التحرير وسلطات الاحتلال، صلاحيات الجهات الفلسطينية والإسرائيلية ونفوذهما، وقسّمت المدينة إلى قسمين، الأول (H1) خاضع للسيطرة الفلسطينية على مساحة 80%، ومناطق سيطرة إسرائيلية (H2) تتركز في البلدة القديمة بواقع 20%، غير أن الاتفاقية أعطت صلاحيات الخدمة المدنية لبلدية الخليل في مناطق H2.
وفي خطوة إسرائيلية جديدة على طريق سحب الصلاحيات الفلسطينية في مدينة الخليل، وتحديدًا في محيط المسجد الإبراهيمي الواقع في منطقة خاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، استبدلت طواقم مجلس مستوطنات الخليل، "حاويات النفايات" التابعة لبلدية الخليل بحاويات إسرائيلية تتبع مجلس المستوطنات، وهو ما يعتبر تعديًا واضحًا على صلاحيات البلدية التي حددتها الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، خاصة اتفاقية الخليل التي أوضحت أن صلاحيات البلدية تشمل المناطق المحاذية للمسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة كلّها، لكن الاحتلال يعمل على تقليص هذه الصلاحيات لصالح توسيع نشاط الهيئات الإسرائيلية، وتجاوز الصلاحيات الفلسطينية، لا سيما أن سلطات الاحتلال منذ السيطرة على البلدة القديمة تتعمد انتهاك مضمون الاتفاقية، وتعمل على تهجير السكان، دون الاعتراف بالحد الأدنى من حقوقهم، عدا عن الحصار المشدد وتقييد حركة المواطنين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتقدم بلدية الخليل خدماتها لنحو خمسة آلاف فلسطيني في عدد من المناطق التي توصف بأنها "مغلقة"، وهي تل الرميدة، وشارع الشهداء، ووادي الحصين، ومحيط بركة السلطان، وحارة جابر، وحارة السلايمة، ومحيط المسجد الإبراهيمي، وشارع السهلة. وتواجه البلدية عراقيل عدة خلال عملها داخل هذه المناطق.
وتمنع قوات الاحتلال طواقم البلدية من العمل في بعض الأحيان، وتقيّد حركتهم في أحيان أخرى، ويمنع إتمام الإصلاحات في بعض المناطق، ولا يسمح بمتابعة المشكلات المرتبطة بالكهرباء، أو شبكات الصرف الصحي. ولا ينبغي الاكتفاء بتفسير الحادثة على أنها تعد على صلاحيات بلدية الخليل، وإنما هي خطوة لفرض واقع جديد يتم فيه استحداث بلدية للمستوطنين، تعمل بداية على إزالة الحاويات، وفي المستقبل تقدم كل الخدمات، تمهيداً لخطوات تؤسس لعملية (الضمّ) وسلخ المنطقة عن عمقها التاريخي وترابطها الجغرافي والإداري، وهو ما يعزز الرؤية الاستيطانية بأن بقاءهم في البلدة القديمة من الخليل حتمي، وأن الوجود الإسرائيلي، العسكري والاستيطاني، ذاهب باتجاه التموضع الأبدي تمهيدًا للضم الكامل.
وكان آخر الإجراءات التي تم اتخاذها تحقيقًا للمخطط الإسرائيلي الهادف إلى تشريد الفلسطينيين وتفريغ البلدة القديمة في الخليل، إغلاق السلطات الإسرائيلي أبواب مبنى البلدية القديم، في البلدة القديمة بمدينة الخليل، باللحام الأوكسجيني، وذلك لاحقًا لإخطار البلدية خلال عام 2023 بإخلاء المبنى تمهيدًا للاستيلاء عليه وتسليمه للمستوطنين. علمًا بأن قضية المبنى لا تزال ماثلة أمام القضاء، حيث تمتلك البلدية كل الوثائق القانونية والرسمية التي تُثبت ملكيتها للمبنى.
وعلى الرغم من عدم نزاهة القضاء الإسرائيلي ومواقفه العنصرية تجاه قضايا الفلسطينيين العادلة، إلا أنه أحد الخيارات المتاحة لتوثيق الرفض الحاسم للقرارات التي تهدف لتهويد وسرقة التراث والهوية والفلسطينية، حيث تواصل بلدية الخليل جهودها برفع قضايا في المحاكم الإسرائيلية والضغط على الحكومة الإسرائيلية من خلال المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان لوقف الانتهاكات والتصدي لمحاولات ضم مساحات واسعة من مدينة الخليل، ومصادرة صلاحيات البلدية، وتهويد قلب المدينة وبلدتها القديمة وحرمها الإبراهيمي الشريف المدرجين على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في اليونسكو.
أزمة إدارة النفايات
فاقمت إجراءات الإغلاق من أزمة إدارة النفايات في الخليل، حيث أصبحت قضية حاسمة وسط التحديات التي فرضها إغلاق مداخل المدينة وقيود حركة المواطنين والمركبات، وقد تسبب ذلك في صعوبة نقل النفايات إلى مكب النفايات الرئيسي في منطقة المنيا جنوب بيت لحم، الذي يستقبل حوالي 300 طن من النفايات يوميًا. مما اضطر البلدية لتفعيل مكب نفايات طارئ في المنطقة الجنوبية إلى جانب إنشاء مكب نفايات جديد في منطقة ترقوميا للتخفيف من أزمة التخلص من النفايات.
كما أن إغلاق مداخل المدينة الرئيسية تسبب في حدوث اختناقات مرورية شديدة عالجتها البلدية ببناء طرق فرعية جديدة للمساهمة في تخفيف الازدحام المروري وتخفيف أثر الإغلاقات على حركة المواطنين.
نقص المياه
واجهت بلدية الخليل أزمة حادة تمثلت في تخفيض كميات المياه الموردة من قبل شركة "ميكروت" الإسرائيلية بنسبة تصل إلى 35%، وذلك كنوع من العقاب الجماعي الذي ينتهجه الاحتلال الإسرائيلي في ظل الحرب. وللتعامل مع هذه الأزمة، قامت البلدية باتخاذ عدة إجراءات مهمة، منها: الالتزام بالتوزيع العادل للمياه لضمان وصولها إلى كافة المناطق رغم شُحها، وإعطاء الأولوية في وصول المياه إلى المناطق المغلقة والمحاذية للمستوطنات لعدم قدرة المواطنين على إدخال صهاريج مياه إلى هذه المناطق بسبب الاحتلال، إضافة إلى إطلاق حملة توعوية لترشيد استهلاك المياه وإطلاع المواطنين على آخر المستجدات بشكل مستمر لضمان تعاون الجميع في تجاوز هذه الأزمة.
مبادرات الإغاثة النفسية والرعاية الصحية
لقد كان لحظر التجوال المطول المفروض على مناطق معينة من الخليل، والذي تزامن مع حرب الإبادة على قطاع غزة، تأثيرًا نفسيًا شديدًا على الأطفال الذين يعيشون في هذه المناطق. واستجابة لهذه الأزمة، بادرت بلدية الخليل، من خلال مركز جابر المجتمعي، إلى تنفيذ سلسلة من الأنشطة المصممة لتوفير الإغاثة النفسية التي يحتاجها هؤلاء الأطفال بشدة، ومساعدتهم في التغلب على الضغوط والصدمات التي يعانون منها. بالإضافة إلى ذلك، نظمت البلدية، بالشراكة مع منظمة أطباء بلا حدود، عيادات طبية مجانية ووزعت الأدوية الأساسية. وتعتبر هذه الجهود حيوية في تقديم الرعاية الصحية الأساسية والدعم النفسي والاجتماعي للمجتمعات المتضررة، وضمان سلامتهم في مواجهة هذه الظروف الصعبة.
وفي خضم هذه البيئة المتقلبة والمعقدة، فإن عزم بلدية الخليل ومواطنيها يمثل شاهدًا حيًا على قدرتهم على الصمود. وإن استجابة المدينة وإدارتها لحالة الطوارئ المستمرة من عقود، اتسمت بالتحرك السريع والالتزام بحماية مجتمعها من إجل المضي قدمًا، بناءً على أسس التضامن والقدرة على التكيف والرؤية المشتركة لمستقبل أفضل.