تحركات بلدية رام الله خلال الحرب على غزة

إعداد: مرام طوطح - بلدية رام الله

"رام الله المنيعة"، ليس مجردَ شعارٍ رفعته بلدية رام الله في العام 2017، إنما خطوات على طريق المناعة تنتهجها بلدية رام الله في إعداد خططها قصيرة وطويلة المدى وفي الخطط السنوية والاستراتيجية، لتعزيز استجابة وملاءمة هذه الخطط مع التحديات الكبيرة التي تواجه عمل بلدية رام الله كهيئة حكم محلي تحت الاحتلال. وفي ظل أهوال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على أهلنا في قطاع غزة، والممارسات الوحشية والاعتقالات اليومية والاغتيالات المُنفذة في الضفة الغربية. تسعى بلدية رام الله لأن تكون نموذجًا يتسم بالمناعة والمرونة في التعامل مع حالات الطوارئ. فهي مرحلة صعبة يمر بها الشعب الفلسطيني في الذكرى الـ 76 على نكبته، وخلال هذه السنوات، راكمت بلدية رام الله خبراتها في التعامل مع حالات الطوارئ سواءً أكانت ناجمة عن ممارسات الاحتلال في الاجتياحات والاقتحامات اليومية للمدينة، أو تلك الناجمة عن الأحوال الجوية، خاصة خلال العواصف الثلجية، أو حين اجتاحتنا جائحة كورونا.

منشأة مدمرة
2
منشأة مدمرة
شخص مهجر
7
شخص مهجر
شخص تأثر بفعل العدوان
49
شخص تأثر بفعل العدوان
منزل مأهول دُمّر بالكامل
2
منزل مأهول دُمّر بالكامل

لطالما تمكنت رام الله من أن تبرز كنموذج في المرونة والمناعة، حيث أثبتت قدرتها على مواجهة الأزمات وأكدت التزامها الكامل اتجاه مواطنيها على الرغم من التعقيدات التي تعترض عملها نتيجة لممارسات الاحتلال. وفي هذا الوضع الاستثنائي وفي أعقاب الحرب على قطاع غزة وتداعيات ذلك على الضفة الغربية، أعلنت بلدية رام الله حالة الطوارئ وشرعت بتنفيذ خطة طوارئ شاملة تضمنت مبادرات عديدة لدعم أهلنا في قطاع غزة. 

أولاً: استقبال المواطنين من عمال غزة بالتعاون مع مؤسسات المدينة:


استضاف مجمع رام الله الترويحي التابع للبلدية 1300 مواطن من عمال غزة العاملين داخل الخط الأخضر، الذين اعتقلتهم ونكّلت بهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن تتركهم على حواجز الاحتلال القريبة من مدينة رام الله والمدن والقرى المجاورة. حيث وفرت البلدية بالشراكة مع محافظة رام الله والبيرة توفير الخدمات الأساسية للعمال، بما في ذلك الإيواء والطعام والملابس، في لفتة إنسانية تهدف إلى التخفيف من معاناتهم وضمان سلامتهم. كما وانضمت سرية رام الله الأولى إلى هذه الجهود الإنسانية بروح من التضامن والمساندة، حيث قدمت الدعم اللوجستي اللازم وساعدت في استقبال أعداد إضافية من العمال.

وفي هذه الفترة، تمكنت البلدية، بالتعاون مع مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة، من تنظيم عملية استقبال العمال وتقديم الخدمات اللازمة لهم بكفاءة عالية. إذ تم إنشاء عيادة صحية متكاملة داخل المجمع بالتعاون مع وزارة الصحة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والإغاثة الطبية إلى جانب متطوعين من الممرضين. وكان الغرض منها متابعة الحالة الصحية للعمال، وتوفير الأدوية اللازمة لهم، وتوفير وحدات صحية إضافية لاستيعاب عددٍ كبيرٍ من العمال، ومتابعة نظافة وصحة الساحات والمرافق التي سيستخدمها العمال. 

ومن أجل تلبية احتياجات العمال اليومية وتحسين الظروف المحيطة بهم في فترة إقامتهم، وظفّت البلدية الساحات الداخلية والخارجية في مجمع رام الله الترويحي وحولته إلى مركز دعم شامل، بتطوع عدد من موظفي البلدية وبعض المؤسسات المحليّة. كما وأطلقت البلدية مبادرات تعاونيّة مع المجتمع المحلي لتوفير مجموعة متنوعة من المواد الأساسية، مثل الملابس والطعام ومستلزمات النظافة لتوفير بيئة آمنة ومريحة تلبي كافة احتياجاتهم الأساسية.

وأدّت المؤسسات الشبابية، إلى جانب طلاب الجامعات، دورًا حيويًا في دعم العمال؛ إذ شاركوا في تسجيل وتقديم الخدمات التطوعية، والمساعدة في توزيع المواد، وتقديم الرعاية والدعم النفسي لهم، ما يعكس التزام المجتمع المحلي بمبادئ التكافل الاجتماعي، حيث تم توفير الدعم اللازم للعمال لضمان استقرارهم ورفاهيتهم خلال فترة إقامتهم في المدينة.

ثانياً: حملة جمع التبرعات لأهلنا في غزة


وفي مبادرة تعاونية فريدة، أطلقت بلدية رام الله بالشراكة مع بلديتي البيرة وبيتونيا ومؤسسات المدينة حملة تبرعات واسعة النطاق لدعم أهلنا في قطاع غزة. وكانت إجراءات التبرع تتمّ إلكترونيًا عبر وسائل الدفع الإلكتروني المختلفة أو عبر موقع البلدية الإلكتروني(www.ramallah.ps) أو عبر البنوك. وتمثلت إجراءات التبرع النقدية في توزيع صناديق التبرعات في المدارس والمحال التجارية، وتم تحويل المبلغ بالكامل إلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لتنفيذ مشاريعها الإغاثية في غزة.

دور البلدية في مساندة المبادرات المجتمعية والفنية


لم يقتصر دور بلدية رام الله على الدعم المادي، بل امتد ليشمل الدعم المعنوي، وذلك من خلال تنظيم سلسلة من الفعاليات الفنية التي تهدف إلى رفع معنويات الشعب الفلسطيني والتعبير عن تضامنه مع أهل غزة. حيث قدمت البلدية الدعم الكامل للمبادرة الفنية التي أطلقها مجموعة من الفنانين بتركيب خيمة رمزية على المسرح البلدي الخارجي، محاطة بصور مؤثرة، لتجسيد معاناة النازحين. وبالتعاون مع مجموعة الفنانين ومؤسسات المدينة، نظمت البلدية وقفة للتعبير عن الشكر وتقدير لدولة جنوب أفريقيا على دعمها المستمر للقضية الفلسطينية، في خطوة تشدد على عمق العلاقة بين الشعبين أفريقي وتؤكد على أهمية التضامن الدولي في دعم حقوق الشعب الفلسطيني.

واستكمالاً لهذه الجهود، رعت بلدية رام الله مجموعة أخرى من الفعاليات الفنية المتنوعة، مما ساهم في جمع تبرعات لدعم غزة وتعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية وتعبئة الرأي العام الدولي للتضامن مع شعبنا. بدأت هذه الجهود بدعم جمعية سيرك فلسطين في تنظيم عرض سيرك في القصر الثقافي، حيث خصص ريع العرض بالكامل لحملة "كلنا غزة". تلاها تنظيم عرض موسيقي لأغاني الانتفاضة بعنوان "حماة الأرض" بمشاركة مجموعة من الموسيقيين في القصر الثقافي نفسه. وفي خطوة نوعية، تم تنظيم معرض فني بعنوان "انعكاس مشهد"، ضم لوحات فنية لأحد الفنانين الحاصلين على منحة الإقامة الفنية في بيوت الفنانين - أحد مشاريع بلدية رام الله - وقد استطاع هذا الفنان أن يلتقط بفرشاته مشاهد مأساوية من غزة، وذلك لفضح جرائم الحرب الإسرائيلية.

الحرب على غزة خيّمت على برامج بلدية رام الله الثقافية والتوعوية 


انطلاقًا من إيمانها بأهمية ترسيخ الوعي الوطني والقيم الإنسانية لدى الناشئة، ركزت بلدية رام الله في برامجها الثقافية الموجهة لمدارس المدينة على قضايا وطنية ملحة. فقد صممت برامج متخصصة كبرنامج "معنى النكبة" وبرنامج "قراءات في الموروث الثقافي" لتعميق فهم الطلاب لنكبة فلسطين ومقارنتها بالأحداث الجارية في غزة. كما نظمت بالتعاون مع حركة المقاطعة الفلسطينية حملات توعية واسعة النطاق في مدارس المدينة، وصولًا إلى تنظيم فعالية مركزية في المسرح البلدي الخارجي للتوعية بمقاطعة البضائع الإسرائيلية.

وفي سياق آخر، حرصت البلدية على استثمار المناسبات الدينية في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية. فبدلًا من الاحتفالات التقليدية، حولت ساحة المسرح البلدي خلال احتفالات الميلاد المجيد إلى لوحة فنية تعبر عن حقيقة معاناة شعبنا. فقد شيّدت مغارة مهدمة؛ في إشارة إلى أنه لو ولد المسيح، له المجد في هذه الأيام، لكان ولد في مغارة مهدمة جراء القصف المستمر لقوات الاحتلال على الصغار والكبار. وللتأكيد أكثر على أن المعاناة الإنسانية تتجاوز الديانات والأعراق، نظمت البلدية، بالشراكة مع الكنائس، وقفة احتجاجية للتنديد بالجرائم الإسرائيلية، لا سيما مجزرة المستشفى المعمداني في غزة.

تحركات على الصعيد الدولي


وحرصت بلدية رام الله على تكثيف جهودها الدبلوماسية، فبعثت برسائل عاجلة إلى العديد من المدن الشقيقة حول العالم، داعية إياهم إلى الضغط على حكوماتهم لوقف الحرب على أهلنا في قطاع غزة. كما شارك رئيس البلدية، عيسى قسيس، في عدة محافل دولية، حيث ألقى الضوء على المعاناة الإنسانية التي يعانيها أهلنا في غزة والتحديات الجسام التي تواجه هيئات الحكم المحلي الفلسطيني تحت الاحتلال وبالأخص بلديات قطاع غزة.

وفي خطوة رمزية قوية، وبادرت بلدية رام الله أُولى بلديات الوطن في رفع أعلام الدول التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين على مبنى دار البلدية.  إضافة إلى إطلاق بث مباشر من دار البلدية لجلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في غزة.

التحديات التي واجهت البلدية جراء ممارسات الاحتلال 

شهدت مدينة رام الله خلال الأشهر الماضية تراجعًا حادًا في الحركة التجارية والسياحة الداخلية، مما دفع البلدية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من آثار هذه الأزمة. وقد قررت البلدية تخفيض رسوم عربات الباعة المتجولين بنسبة 50% لمدة محددة، وتشغيل الأيدي العاملة الميدانية بشكل مكثف.

وعلى صعيد آخر، عرقلت قوات الاحتلال والمستوطنون بشكل متعمد حركة شاحنات النفايات من محطة ترحيل النفايات في رام الله إلى مكب زهرة الفنجان في جنين، مما أدى إلى أزمة بيئية حادة وتراكم كميات كبيرة من النفايات. واضطرت البلدية إلى البحث عن حلول بديلة عاجلة، مثل إنشاء مكبات نفايات مؤقتة. كما عرقل الاحتلال جهود البلدية لتطوير البنية التحتية الصحية، حيث منعت استيراد المعدات اللازمة لمحطة تنقية صرف صحي باطن الهواء.

إن هذه الأوضاع الصعبة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني، الذي فقد أكثر من 38 ألف شهيد ومئات الآلاف من الجرحى والأسرى وأكثر من مليوني نازح، هي الأشد إيلامًا. ومع ذلك، استمرت بلدية رام الله بتقديم خدماتها للمواطنين على أكمل وجه، وذلك بفضل جهود فرق بلدية رام الله المخلصة في كافة الميادين، وثقة المواطنين ببلديتهم والتعاون المثمر والشراكة مع المجتمع المدني ومؤسسات المدينة. إن هذه الروابط المتينة والشراكة الفاعلة بين مختلف مكونات المجتمع تعكس قوة وصمود أهل رام الله وقدرتهم على مواجهة التحديات.

إن إيماننا العميق بحقنا في هذه الأرض وصمودنا عليها وايماننا بقضيتنا الفلسطينية العادلة، هو ما يعزز من عملنا وجهودنا لتقديم الأفضل لمواطنينا، هذه الأرض لنا وستبقى لنا.