استراتيجيات بلدية قلقيلية لمواجهة تداعيات العدوان
إعداد: بلدية قلقيلية
ألقت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على فلسطين بظلالها القاتمة على الكلّ الفلسطيني. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، تعيش غزة دمارًا وقتلًا لا يمكن لكاتب التاريخ استثناؤه، وتجاوزت انعكاساته حدود غزة الجغرافية لتصل إلى مدن وقرى وبلدات ومخيمات الضفة الغربية، التي لم يستثنّ العدوان عليها شيئا، استهدف المواطنين، والبنى التحتية، والمؤسسات الخدماتية، والمحال التجارية، وكافة القطاعات الأساسية، لا سيما في ظل تعنت إسرائيلي بعدم تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى تراجع مستوى التزام المواطنين بواجباتهم تجاه الجهات الخدماتية، وعلى رأسها البلديات.
لم تشهد مدينة قلقيلية تخريبًا واسع النطاق لبنيتها التحتية مثلما حدث في مدن أخرى بالضفة الغربية، إلا أنها عانت من هدم بعض المنازل وتخريب جزئي للبعض الآخر. ومع ذلك، فإن التأثير الأكبر للحرب كان على اقتصاد المدينة ومواطنيها. إذ تسبب التدهور الاقتصادي في تراجع ملحوظ في قدرة المواطنين على دفع المستحقات المالية للبلدية مقابل الخدمات المقدمة، مثل النفايات والصرف الصحي والمياه. وبالتزامن مع ذلك، عانت حديقة الحيوانات الوطنية، التي تعد أحد أهم مصادر دخل البلدية، من تراجع حاد في عدد الزوار بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة، ما أدى إلى انخفاض إيراداتها بنسبة تجاوزت الثلثين. كما فقدت البلدية بشكل كامل إيرادات معبر العودة الشمالي، الذي يعتبر شريانًا حيويًا للاقتصاد المحلي. يمر عبر هذا المعبر آلاف العمال يوميًا، وكانت الرسوم التي تدفع مقابل استخدامه تشكل مصدرًا رئيسيًا للدخل.
تشكيل مجلس الطوارئ
وفي خطوة عاجلة، اتخذت بلدية قلقيلية مجموعة من الإجراءات التقشفية على مستوى الخدمات والنفقات، وشكلت مجلسًا للطوارئ دائم الانعقاد، يضم عددًا من مدراء الدوائر الرئيسية ويوكل إليه مراجعة جميع طلبات المشتريات، ومتابعة الوضع العام، وتقديم التوصيات التي من شأنها تخفيف العبء عن المواطنين والاستعداد لأي تحديات مستقبلية قد تطرأ.
وهدفت بلدية قلقيلية، من خلال تشكيل مجلس طوارئ، إلى دراسة أسوأ السيناريوهات المحتملة وآثارها على المدينة وقدرتها على تقديم الخدمات الأساسية، لا سيما في ظل الظروف الآخذة في التعقيد. وقد أولت البلدية اهتمامًا خاصًا بضمان استمرارية خدمة المياه، حتى في حالة انقطاع التيار الكهربائي بشكل مفاجئ أو مقصود. وذلك نظرًا لاعتماد آبار المياه على الطاقة الكهربائية في عملها، فقد وضعت البلدية خطة طوارئ تعتمد على تشغيل آبار الضخ بواسطة مولدات تعمل بالوقود من أجل ضمان استمرار تزويد المياه للمواطنين. علمًا بأن هذه الخطة تتطلب تأمين كميات كافية من الوقود لتلبية احتياجات المدينة لفترة زمنية طويلة.
الدعم والتضامن مع غزة
منذ منتصف الشهر الأول لاندلاع الحرب، ظهر تحدٍّ جديد أمام بلدية قلقيلية حين تم منع عمّال قطاع غزة من العمل في المناطق داخل الخط الأخضر، وتم طردهم وترحيلهم إلى مدن وقرى الضفة الغربية القريبة من أماكن تواجدهم، ومُنعوا في ذات الوقت من العودة إلى القطاع. حيث وصل ما يقارب الـ 1600 عامل إلى مدينة قلقيلية، الأمر الذي استدعى بذل جهود مضاعفة لتأمين الاحتياجات الأساسية لهؤلاء العمال من مأكل ومشرب ومأوى ورعاية صحية. وفي هذا السياق، ساهمت البلدية في تشكيل لجان متخصصة لمتابعة أوضاع عمال غزة وتقديم الدعم اللازم لهم.
وأظهرت البلدية التزامًا كبيرًا بإدارة عملية استقبال واستضافة عمال غزة العالقين من خلال توفير كل سبل الدعم الممكنة. وقد ساهمت بشكل مباشر بمبلغ 30,000 شيقل شهريًا لصالح لجنة إدارة شؤون عمال غزة، وهي لجنة وزارية تشكلت لهذا الغرض. كما فرضت البلدية رسم اشتراك بقيمة شيقل واحد شهريًا على فواتير الكهرباء، وذلك لتمويل صندوق خاص يدعم جهود إدارة الأزمة. علاوة على ذلك، قامت البلدية بمتابعة أوضاع العمال في مراكز الإيواء وتقديم كافة الخدمات اللازمة لهم، مع الحرص على توفير سبل الإقامة والتنقل.
وفي ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، والتي تجلت بوضوح في ارتفاع معدلات البطالة وتأخر الرواتب وارتفاع أسعار السلع، عملت البلدية على تعزيز صندوق المساعدات الاجتماعية لدعم الحالات الإنسانية. وقد وجهت البلدية موظفيها بتفعيل هذا الصندوق وتوظيفه عند تقديم الخدمات للمواطنين، مع الاعتماد على تقدير الموظف لحاجة كل حالة.
كما اتخذت البلدية مجموعة من الإجراءات التيسيرية للمواطنين، منها تسهيل إجراءات الحصول على براءة ذمة عبر السماح بتقسيط المبالغ المستحقة على فترات مناسبة. وتم التأكيد على ضرورة استمرار تقديم الخدمات للمواطنين، حتى في حال عدم قدرتهم على السداد الفوري.
وفي سياق الجهود المبذولة لتخفيف العبء المالي على المواطنين، قررت البلدية وقف الإجراءات القانونية المتعلقة بالمطالبات المالية المستحقة عليها، وذلك نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطنون. ومع ذلك، فإن هذا القرار لا يلغي حق البلدية في استرداد مستحقاتها في المستقبل، ولكن سيتم تأجيل ذلك إلى حين تحسن الأوضاع الاقتصادية.