بلدية البيرة: تعزيز الصمود ومواجهة العدوان الإسرائيلي المتصاعد
المصدر: بلدية البيرة
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألقت الحرب الوحشية على قطاع غزة بظلالها على المدن والقرى الفلسطينية، بما في ذلك مدينة البيرة. حيث وجدت نفسها في الخطوط الأمامية لمواجهة العدوان الإسرائيلي المتصاعد، الذي لم يقتصر على الاعتداء على المواطنين وتدمير المدينة فحسب، بل امتد ليشمل تدمير البنية التحتية الحيوية، وتعطيل عمل البلدية كمؤسسة خدماتية، واستهداف العاملين فيها.
التهديد المتصاعد
صعّد الاحتلال الإسرائيلي هجماته على مدينة البيرة، لا سيما في المناطق القريبة من المستوطنات ومعسكرات الجيش التي تحاصر المدينة، وكان أخطرها الحرائق التي أشعلتها عصابات المستوطنين في أراضي المواطنين، ما تسبب في ارتقاء موظف بلدية البيرة عبد عساف شهيدًا. كما قامت القوات الإسرائيلية بتجريف وتدمير أراضي المواطنين بحجج أمنية واهية. فقد أقدم الاحتلال على تجريف ما مساحته 24 دونمًا في حوض الجبل الطويل، كما قامت بإنشاء بؤرتين استيطانيتين جديدتين ( ضمن ما يسمى بالاستيطان الرعوي) في أحواض المطربة ودير شباب. وفي المقابل، أصدرت أوامر إزالة وهدم لطريق قائم في جبل قرطيس بطول 250 مترًا، وأصدرت أوامر هدم لثلاثة منازل مرخصة ضمن المخطط الهيكلي المعتمد لمدينة البيرة، ما يجسد أطماع الاحتلال وسعيه الواضح لتوسيع السيطرة الإسرائيلية على حساب حقوق الفلسطينيين.
كما وأصدر الاحتلال قرارًا بإغلاق مكب نفايات بلدية البيرة الذي يعالج 100 طن من النفايات يوميًا، ومنع عمّال البلدية من الوصول إليه. لم يعطل هذا الإجراء إدارة النفايات فحسب، بل تجاوز ذلك ليصل إلى اعتداء صريح على حق أبناء شعبنا بتوفير بيئة صحية من خلال ممارسات وانتهاكات تبين بالوجه القاطع مآرب الاحتلال العدوانية ومضايقاتهم المتواصلة على الشعب الفلسطيني ليصل بهم الأمر إلى التضييق على المواطنين والمؤسسات.
وتستمر سلسلة الانتهاكات لتصل إلى تصعيد يستهدف سلطة وهيبة مؤسسات الحكم المحلي كمؤسسات خدماتية ومنتخبة بهدف شلّ عملها وعزل المواطنين عن مؤسساتهم الشرعية، حيث اعتقلت سلطات الاحتلال رئيس بلدية البيرة إسلام الطويل، ووضعته قيد الاعتقال الإداري، وهو اعتقال دون توجيه اتهامات رسمية أو محاكمة يتنافى مع كافة المواثيق والأعراف الدولية.
التضامن مع غزة
فتحت بلدية البيرة أبوابها لاستقبال العمال الفلسطينيين من قطاع غزة الذين كانوا يعملون داخل الخط الأخضر عند وقوع الحرب الأخيرة على القطاع ومُنعوا من العودة إليه، ولم تتردد في توفير كل ما يلزم لاستقبالهم في مجمع بلدية البيرة التجاري ومحطة البلدية المركزية اللذان تم تجهيزهما بالكامل لضمان تلبية احتياجاتهم.
وانطلاقًا من المسؤولية الوطنية والإنسانية والتضامنية لبلدية البيرة وأبناء مدينة البيرة تجاه أطفال غزة، واستجابة للحملة التي أطلقتها جمعية إنعاش الأسرة "كفالة 5000 طفل من غزة"، ساهمت البلدية بمبلغ 80,000 شيكل. وقد قرر المجلس البلدي تخصيص ميزانية هدايا المواطنين لعام 2024 لدعم هذه الحملة، وبذلك أصبحت هدية المواطنين لعام 2024 هي مساهمتهم في كفالة 5000 طفل في غزة. بالإضافة إلى ذلك، حرصت بلدية البيرة على الترويج لحملة "كلنا غزة" التي أطلقها أهالي مدن رام الله والبيرة وبيتونيا، وذلك عبر نشر رابط إلكتروني على موقع البلدية الإلكتروني يتيح للمتصفحين التبرع بسهولة ويسر.
وقد اضطلعت البلدية بدورٍ فاعلٍ في تنظيم مبادراتٍ وفعاليات تضامنية، كان أبرزها المساهمة في تنظيم فعاليات "اليوم العالمي لنصرة غزة والأسرى"، وهو حدثٌ أطلقته مؤسسات الأسرى والقوى الوطنية والإسلامية ليُحيى سنويًا في الثالث من آب. وقد انعقد المؤتمر الأول لهذا اليوم في قاعة بلدية البيرة. كما حولت البلدية الاحتفاء بيوم المرأة العالمي إلى وقفةٍ نظمتها موظفات البلدية مطالبات المجتمع الدولي بالتحرك لحماية نساء غزة من جرائم الاحتلال المستمرة.
وكذلك أنتجت البلدية محتوىً إعلاميًا متنوعًا – بصريًا وصوتيًا ومكتوبًا – بهدف دعم غزة وتعبئة الجهود الدولية لوقف العدوان. كما تواصلت بلدية البيرة مع نظيراتها الدولية التي تربطها بها علاقات تعاون وتوأمة، لتجنيد الدعم العالمي لحقوق الفلسطينيين. وقد قوبل هذا الجهد باستجابة قوية من بلدية جونفلييه الفرنسية، التي نظمت فعاليةً تضامنيةً غرست خلالها 13,500 علمًا فلسطينيًا تخليدًا للشهداء الأطفال في فلسطين.
استجابة البلدية
ردًا على الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية لمدينة البيرة، وخاصة الحرق المتعمد لسوق الخضار المركزي في المدينة ومجمع بلدية البيرة المركزي، اتخذت البلدية إجراءات عاجلة لتدارك الأزمة ودعم السكان المتضررين. لقد ألحق الحريق خسائر فادحة بمن اعتمدوا بشكل كبير على بيع الفواكه والخضروات والسلع الأخرى في هذه المواقع. وردًا على ذلك، وضعت بلدية البيرة على الفور خطة بديلة لتوفير مساحة مؤقتة حيث يمكن للبائعين مواصلة عملهم إلى حين ترميم الموقع الأصلي. وفي غضون 30 يومًا، حولت البلدية ساحة مركز الشرطة القديم إلى سوق جديد للخضار. حيث قامت فرق البلدية ببناء أكشاك فولاذية متينة لتلبية احتياجات البائعين وتركيب مظلات شمسية لضمان بيئة مناسبة في موقع العمل. كما نفذت البلدية خطة مرورية في وسط المدينة التجاري وفرت خلالها مواقف بديلة للنقل العام.
وفي مواجهة الهجمة الاستيطانية، تنفذ البلدية مشروع حوكمة الأراضي بالتعاون مع مركز الأبحاث وبالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة، حيث طالبت البلدية خلاله المواطنين بضرورة تحديث سندات ملكية أراضيهم، ومتابعة الإجراءات القانونية مع محامٍ قامت البلدية بالتعاقد معه لمتابعة هذا الملف قانونيًا. وشكلت لجانًا من المجتمع المحلي تعمل على مساندة وتوجيه المواطنين لمواجهة العدوان، كما نظمت البلدية وبالشراكة مع مؤسسات المدينة أنشطة تطوعية وزراعة أشجار في المناطق المهددة.
وتعزيزًا لصمود شعبنا الفلسطيني في المدن والقرى التي تتعرض لهجمات متكررة من قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال، نظمت البلدية زيارات تضامنية وقدمت دعمًا ماليًا ضمن بند المنح المعتمد، حيث قدمت حاويات للنفايات لبلدية طولكم بمبلغ 70,000 شيكل، ودعمًا ماليًا بقيمة 10,000 دولار لمجلس قروي المغير، و5,000 دولار لمجلس برقا.
وفي تحدٍ آخر، بعد أن أغلقت السلطات الإسرائيلية محطة نقل النفايات في البيرة، واجهت المدينة مشكلة صحية بيئية عامة حرجة بسبب تعليق جمع النفايات وترحيلها. وتوجهت البلدية بعد ذلك إلى موقع مؤقت لنقل النفايات في المنطقة الصناعية، قبل أن تغلقه قوات الاحتلال، كما صادرت بعض شاحنات القمامة التابعة للبلدية. وتفاقمت الأزمة عندما أضرم الاحتلال النار في الموقع المؤقت الذي يضم أكثر من 4000 طن من النفايات، مما أدى إلى أزمة بيئية تضر بصحة وسلامة المواطنين. واستجابة لأزمة إدارة النفايات المتصاعدة، قامت البلدية بشراء شاحنتين جديدتين، كل منهما بسعة 21 مترًا مكعبًا، لتعزيز خدمات جمع النفايات في جميع أنحاء المدينة وتغطية جميع الأحياء. كما أطلقت البلدية حملة لرفع وعي المواطنين وتشجيعهم على تقليل النفايات حتى يتم تنفيذ حل للأزمة.
تعزيز صمود المواطن ودعمه اقتصاديًا
في ظل الأزمة التي يعيشها المواطنون، أثبتت بلدية البيرة التزامها بدعمهم عبر العديد من الحملات الميدانية لتوزيع المساعدات على الأسر المتضررة، بما في ذلك الأسر التي فقدت مصادر رزقها بسبب الحرب. كما نظمت وحدة التأهيل المجتمعي في بلدية البيرة برامج تكافل اجتماعي تدعم الأسر المتعففة؛ حيث تم توزيع ما يقارب 310 حصص من لحوم الأضاحي على العائلات في أحياء مدينة البيرة ومخيم الأمعري، وتوفير كسوة العيد لنحو 230 طفلًا، بالإضافة إلى توزيع 100 بطاقة شرائية خلال شهر رمضان لتلبية احتياجات الأسر المتعففة.
وتتنوع فعاليات بلدية البيرة لتشمل تنظيم معارض وبازارات تعكس التراث الفلسطيني الأصيل وتدعم المنتجات المحلية، وتساهم في تعزيز الهوية الوطنية. وفي ظل الأحداث الجارية، تولي البلدية اهتمامًا خاصًا بتسليط الضوء على معاناة أهل غزة وتأثير الحرب عليهم، ومن أبرز هذه المعارض "غزة العزة" الذي قدم منتجات غذائية صُنعت بأيدي نساء فلسطينيات، ومعرض الأصل الفلسطيني الذي ساهمت البلدية في تنظيمه ضمن مبادرة "منتج محلي رباط فلسطيني"، ومعرض "القدس للأشغال اليدوية".
رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها بلدية البيرة في مواجهة تأثيرات العدوان، تبقى التحديات كبيرة. من إغلاق مكبات النفايات إلى التصعيد العسكري وتخريب البنية التحتية. وتواجه المدينة مجموعة من الأزمات التي تتطلب استجابة مستمرة ومتكاملة من جميع الجهات المعنية. وتسعى بلدية البيرة إلى تحقيق الاستقرار والازدهار لمواطنيها من خلال مواجهتها المستمرة لهذه التحديات وتعزيز التضامن والوحدة في أوقات الأزمات. تجسد جهود بلدية البيرة في التخفيف من أثر العدوان الإسرائيلي التزامها العميق بدعم شعبها وتعزيز صمود المجتمع. من خلال المبادرات الإنسانية، الأنشطة التضامنية، والتعامل مع الأزمات البيئية والاقتصادية، تقدم البلدية نموذجًا يحتذى به في مواجهة التحديات وتعزيز القيم الإنسانية في أوقات الأزمات. وأمام التحديات الجسيمة التي فرضتها الحرب والعدوان الإسرائيلي، برهنت بلدية البيرة التزامها الراسخ بحماية حقوق مواطنيها وتعزيز صمودهم. من خلال استجابات سريعة ومنظمة، والتزام قوي بتلبية احتياجات المواطنين المتضررين، أظهرت البلدية قدرة استثنائية على التكيف مع الظروف المعقدة والتعامل مع حالة الطوارئ.