بلدية صوريف بين الحصار الإسرائيلي وتحديات الاستدامة الخدماتية
إعداد: بلدية صوريف
في خط موازِ من العنف والقمع الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتحت حمايته، المستوطنون ينكّلون بالفلسطينيين، ويرسّمون الوقائع على الأرض، ويرفعون من الجهوزية القتالية، ويتسلحون، ويقومون باعتداءات على الفلسطينيين بشكل يفوق في وتيرته كل السنوات السابقة.
هذا هو الحال في صوريف كما في غالبية مناطق الضفة الغربية، يشنّ مستوطنو مستوطنة "بيت عين" المقامة على أراضي بلدة صوريف شمال غرب الخليل، سلسلة اعتداءات لا حدود لها، فلم تقتصر جرائمهم على اقتحام منازل المواطنين، بل امتدت لتطال الأراضي الزراعية أيضًا، حيث أحرقوا 60 شجرة زيتون معمرة، شاهدة على تاريخ البلدة وصمود أهلها. هذا الهجوم ليس إلا جزء من واقع مرير تعيشه صوريف، تفرضه الحواجز العسكرية التي تقطع أوصالها، والاقتحامات المتكررة والاعتقالات الجماعية ومصادرة الأرضي.
ومع كل هذه الانتهاكات، تتعمق الأزمة الاقتصادية في صوريف، حيث مضى أشهر دون أن يتقاضى موظفو القطاع العام رواتبهم. أما العمال الفلسطينيون، فباتوا محاصرين، غير قادرين على الوصول إلى أماكن عملهم في الداخل المحتل، نتيجة السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى شلّ الاقتصاد الفلسطيني وتجويع المواطن.
تتحمل بلدية صوريف دورًا محوريًا في تلبية احتياجات المواطنين اليومية وإدارة شؤونهم، ومع بدء العدوان على غزة، ازداد العبء بشكل كبير نتيجة للظروف الأمنية الصعبة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي. فلم تقتصر تداعيات هذا العدوان على قطاع غزة وحده، بل امتدت إلى مدن وقرى الضفة الغربية، حيث تسعى سياسات الاحتلال إلى عرقلة أي جهود تهدف إلى تحسين الخدمات أو تحقيق التنمية، عبر مصادرة المركبات، وتدمير البنية التحتية، وفرض قيود على كميات المياه المتاحة للسكان، إضافة إلى إغلاقات متكررة على مداخل القرى والمدن، وإقامة حواجز تعيق حركة المواطنين.
وفي ظل هذا الخناق الشديد والهجمات المتصاعدة، تبرز أهمية دور البلدية في ضمان استمرارية تقديم الخدمات الأساسية، والتخفيف من الأعباء الاقتصادية التي تثقل كاهلهم، ودعم صمودهم على أرضهم لمواجهة التحديات المتزايدة.
أبدت بلدية صوريف التزامها بخدمة مواطنيها من خلال تقديم دعم ملموس للأسر المتضررة. فقد قامت بتغطية فواتير المياه والكهرباء بمبلغ 100 شيكل شهريًا لكل أسرة، كما وفرت خيار الشحن على الدَّين لتخفيف العبء المالي. أضف إلى ذلك بالتعاون مع لجنة الزكاة ولجنة الأيتام وجمعية صحتك الخيرية وتكية صوريف لتوزيع طرود غذائية وطبية، وتوفير وجبات جاهزة للمحتاجين، تأكيدًا على دور البلدية في تعزيز التماسك الاجتماعي والتخفيف من حدة الأزمة.
رغم التحديات الجسام التي فرضتها قواعد الحرب على فلسطين، لم تأل بلدية صوريف عن تقديم كل إمكاناتها خدمة للمواطنين، حيث ضاعفت من جهودها في مجال الصحة، رغم الزيادة الكبيرة في التكلفة التي تتكبدها خاصة فيما يتعلق بترحيل النفايات إلى المكب الرئيسي. ورغم الصعوبات التي واجهتها البلدية نتيجة إغلاق الطرق الرئيسية، والتي أدت إلى تأخير عملية نقل النفايات وزيادة تكلفتها، إلا أنها أصرت على مواصلة تقديم هذه الخدمة الحيوية. وبالتزامن مع ذلك، واصلت البلدية جهودها في مجال المياه والكهرباء، وحرصت على متابعة قطاع التعليم، إذ نظمت دورات تعليمية مجانية لطلاب المدارس في مكتبة البلدية بالتنسيق مع معلمين من أبناء بلدة صوريف. هذا الدعم التعليمي كان ضروريًا لضمان استمرارية التعليم في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلدة.
وحرصًا على دعم وإسناد الأسر المتضررة، تم توفير فرص عمل مؤقتة للمواطنين الذين فقدوا وظائفهم الراغبين بالعمل. وشملت هذه الفرص مجالات متنوعة كالزراعة والبناء وغيرها، بحيث يعمل كل فرد عشرة أيام شهريًا. هدفت هذه المبادرة إلى تأمين دخل يساهم في تغطية الاحتياجات الأساسية للأسر المتضررة، وتعزيز صمودها في وجه الظروف الصعبة.
ولأن آثار العدوان ليست مادية فقط، بل تحمل آثارًا نفسية عميقة خاصة على الأطفال والنساء، أولت البلدية اهتمامًا كبيرًا بالجانب النفسي والاجتماعي. فبالإضافة إلى الدعم المادي واللوجستي، تم تنظيم جلسات دعم نفسي للأطفال والأسر بالتعاون مع مختصين، بهدف توفير فضاء آمن للتعبير عن المخاوف والقلق. كما تم دعم الفعاليات الاجتماعية والثقافية لتعزيز الروابط المجتمعية والشعور بالانتماء والتضامن، مما يساهم في التخفيف من الضغوط النفسية وتوحيد المجتمع في مواجهة التحديات.
أدركت بلدية صوريف أهمية البُعد السيكولوجي والاجتماعي في التخفيف على المواطنين. حيث أن الحرب ليست فقط نزاعًا ماديًا، بل تحمل آثاراً نفسية عميقة، خاصة الأطفال والنساء. لذا، نظمت البلدية جلسات جماعية للأطفال والأسر بالتعاون مع مختصين في الصحة النفسية. هذه الجلسات تهدف إلى توفير بيئة آمنة للتعبير والتعامل مع الضغوط النفسية الناجمة عن الحرب. كما ساهمت في دعم الفعاليات الاجتماعية والثقافية لتعزيز الوحدة المجتمعية في مواجهة التحديات المشتركة.
لطالما كانت بلدية صوريف في طليعة المؤسسات الداعمة لمواطنيها، متجاوزة كل التحديات. إن هذا الالتزام الراسخ يعكس إيمانًا بضرورة تماسك المجتمع وتقديم كل أشكال الدعم لمواجهة الظروف الصعبة. فبالرغم من الحرب، تواصل البلدية العمل على بناء مستقبل أفضل، مؤكدة بذلك دورها الريادي في الصمود والتحدي.