بيتللو | مشروع إنشاء حديقة عامة
شمال غرب رام الله، تتوزع بيوت بيتللو الحجرية على التلال، وتنساب مياه ينابيعها بين مدرجات الزيتون. المكان يشبه مرآة للتاريخ، يحتفظ باسمه القديم "بيت إيلو" الذي يعني "بيت الله" في اللغات الكنعانية القديمة، ثم تحوّل عبر الزمن إلى "الون" في العهد الروماني قبل أن يستقر على اسمه الحالي. وبين الحقول والطرق القديمة، تفوح رائحة الزعتر البري كلما مررت، كأنها ذاكرة الأرض تتكلم بلغة العطر، وتروي للأجيال قصة قريةٍ صمدت أمام كل من مر بها.
غير أن هذا المشهد الأخاذ محاصر بقيود قاسية. فبيتللو، كغيرها من القرى في المناطق المصنفة "ج"، تعيش تحت واقع يضيّق على التوسع العمراني، يحدّ من الخدمات الأساسية، ويجعل التنمية فعلًا مؤجلاً. الأطفال كبروا بلا فضاء آمن، والشباب افتقدوا ساحة يعبّرون فيها عن طاقاتهم، فيما ظلّ الأهالي ينتظرون متنفسًا يعيد للحياة الاجتماعية موقعها الطبيعي.
في هذا السياق، جاء مشروع تأهيل الساحات وإنشاء ملعب رياضي وحديقة عامة ليبدّل وجه القرية والمناطق المحيطة بها. ما كان أرضًا مهمَلة تحوّل إلى فضاء نابض يخدم بيتللو ودير عمار وجمالة ومخيم دير عمار معًا: ملعب يفتح أبوابه للشباب، حديقة يجد فيها الأطفال مكانًا للضحك، مسارات مهيأة لذوي الاحتياجات الخاصة، وجلسات هادئة لكبار السن. ومع كل ذلك، وفر التدخل فرص عمل لأبناء المنطقة، ومصدر دخل إضافي للمجلس القروي عبر الأكشاك والخدمات، ليعيد للفضاء العام قيمته كركيزة من ركائز الصمود.
غير أن الدلالة الأعمق تتجاوز حدود المكان. فهذه التجربة تمثل نموذجًا عمليًا لكل القرى التي تعيش ذات القيود، بأن الحياة يمكن أن تُستعاد بخطوات ملموسة، وأن الفضاء العام ليس تفصيلًا ثانويًا بل عنصرًا يحمي المجتمع من التفكك. بيتللو اليوم لا تحكي قصتها فقط، بل تفتح أفقًا أوسع لتفكير جماعي في مستقبل قرى "ج"، حيث يصبح كل متر يُستعاد فعلًا من أفعال البقاء.
هذا المشروع جزء من برنامج المنح الفرعية الذي ينفذه الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية في المناطق المسماة "ج". المبادرات المنبثقة عن هذا البرنامج ليست مجرد تحسين للبنية التحتية، بل أدوات عملية لتثبيت الناس في أرضهم، وتوسيع مساحات الحياة في وجه الحصار والمصادرة، وتحويل التنمية إلى فعل صمود يومي يحفظ الحق والذاكرة والوجود.
بتمويل من: الاتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون