عابود | مشروع تأهيل حديقة الأطفال
عابود، غرب رام الله، قيل إنها نُسبت إلى كثرة المعابد التي قامت فيها، وقيل إنها ارتبطت بالنبي "عبادية"، فكلاهما يشي بالقداسة والجذور الضاربة في عمق التاريخ. في أزقتها الحجرية تتوزع تسع كنائس أثرية، أبرزها كنيسة "رقاد العذراء" التي تعود للقرن الرابع، يتجاورها مسجد يتشارك معها الجدار، حيث يختلط الأذان مع دق الأجراس كأنهما لحن واحد يحرس القرية منذ ألفي عام. وعلى تخومها، ينساب وادي الليمون وينابيعه في شهادة أخرى على حياة لم تنقطع.
غير أن هذا التاريخ المغمور بالسكينة يثقل عليه حاضرٌ قاسٍ. قرية محاطة بالمستوطنات والطرق الالتفافية، تُدار حياتها من خلال برج مراقبة عسكري يتحكم بحركتها، يُغلق البوابة الرئيسية أيامًا طويلة لتتحوّل 2,500 نفس إلى أسرى في قريتهم. ثلث أراضيها، من أصل 15 ألف دونم، صودر لصالح الاستيطان، فيما يخترق شارع استيطاني قلبها كجرح عميق يربط المستوطنات بالقدس والساحل، ويترك الأهالي معلّقين بين العزلة والمصادرة.
وعابود التي يثقل حاضرها الحصار، فتحت في قلبها بوابة أخرى مختلفة؛ بوابة المسرح والحديقة، حيث تتحول المساحة العامة إلى فضاء يحفظ الحكاية ويمنحها مستقبلًا يُروى على خشبة الفن وتحت ظلال الأشجار. هنا يتجسد مشروع "تأهيل حديقة الأطفال والمسرح المجتمعي"، كإعلان جديد أن الفضاء العام ليس رفاهية، بل ركيزة في معادلة البقاء.
المسرح الذي عاد إلى الحياة صار منبرًا يفتح أبوابه للثقافة والاحتفالات والفعاليات المجتمعية، والساحة المحيطة تحولت إلى متنفس واسع يجمع الأطفال بلعبهم، والنساء والشباب بلقائهم، وكبار السن بخطواتهم الواثقة في مسارات مهيأة لكرامتهم.بهذا المشهد، لم يعد المشروع مجرد تحسين عمراني، بل فعل يعيد للناس إحساسهم بالقدرة على صياغة تفاصيل يومهم، ويحوّل الأرض من مساحة محاصرة إلى ساحة تحتضن العلاقات الاجتماعية والذاكرة الجماعية.
وعندما تصغي لعابود اليوم، تسمع تداخل الأصوات: خرير وادي الليمون، تراتيل الكنائس، ضحكات الأطفال في الحديقة، وتصفيق جمهور يتهيأ للمسرح. كلها خيوط تحيك رواية واحدة: أن القرية التي أُريد لها العزلة، أعادت فتح أبوابها للحياة عبر بوابة الفن والفضاء العام.
هذا المشروع جزء من برنامج المنح الفرعية الذي ينفذه الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية في المناطق المسماة "ج". المبادرات المنبثقة عن هذا البرنامج ليست مجرد تحسين للبنية التحتية، بل أدوات عملية لتثبيت الناس في أرضهم، وتوسيع مساحات الحياة في وجه الحصار والمصادرة، وتحويل التنمية إلى فعل صمود يومي يحفظ الحق والذاكرة والوجود.
بتمويل من: الاتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون