مغارة الضبعة، قرية فلسطينية معزولة في عمق محافظة قلقيلية، تقف عند تخوم الجدار العازل كأنها خارج الخريطة، لكنها باقية. فصلها الجدار عن القرى المجاورة، وضيّق عليها الطرق والمداخل، وتركها تواجه وحدها كل ما يعترض حقّها في أبسط أشكال الحياة. تمتدّ أراضي الضبعة على نحو 1,599 دونمًا، منها 99 فقط مأهولة، والباقي أرض صامدة، تنتظر تنمية مؤجلة، وفرصًا غالبًا ما تتجاوزها الطريق.

في هذا السياق من العزلة والتهميش، برزت الحاجة إلى فضاء مشترك يعيد تعريف العلاقة بين السكان ومحيطهم. لم تكن المطالبة بحديقة رفاهًا، بل ضرورة واقعية في قرية تخلو من المساحات العامة، ويُحرم فيها الأطفال من أبسط حقوقهم في اللعب، والتفاعل، والنمو في بيئة آمنة.

جاء مشروع حديقة أطفال الضبعة استجابة لهذه الحاجة. فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها في عمقها تتقاطع مع مفاهيم الانتماء، والحق في المساحة، والتماسك المجتمعي. تم تحديد أولويات المشروع بناءً على مشاورات محلية، شارك فيها أهالي القرية من مختلف الفئات، وتم الاتفاق على أن تكون الحديقة مساحة مفتوحة للجميع، لا مرفقًا مغلقًا ضمن حدود ضيقة.

المشروع لم يكن مبادرة مفروضة أو جاهزة. منذ لحظاته الأولى، شكّل المجتمع المحلي حجر الأساس في التخطيط والتنفيذ والمتابعة. لم تُختصر المشاركة في الحضور الرمزي، بل ظهرت في العمل الفعلي، في اختيار الموقع، وتحديد التصميم، والمساهمة في التهيئة والتنفيذ.

شارك الشباب بأدوار قيادية، وساهمت النساء في التنسيق المجتمعي، وتحوّل المشروع إلى فرصة لإعادة تنشيط العمل الجماعي على مستوى القرية. وتم تشكيل فريق تطوعي من أبناء الضبعة للمساهمة في الإشراف على الحديقة بعد إنشائها، في خطوة تعبّر عن التزام محلي باستمرارية المشروع لا بإنجازه فقط.

أعادت الحديقة تعريف الفضاء العام في الضبعة. أصبحت نقطة لقاء طبيعية للعائلات، وحبزًا آمنًا للأطفال، ومساحة تنتمي إلى الناس. في ظل الغياب الطويل للمرافق المفتوحة، وفّرت الحديقة مكانًا للأنشطة المجتمعية، وللتفاعل اليومي خارج الجدران الضيقة.هذا النوع من التدخلات، رغم بساطته، يترك أثرًا يتجاوز حدود المشروع نفسه. فهو يعيد بناء الثقة بين الناس، ويعزز إحساسهم بالملكية والمسؤولية تجاه المرافق المشتركة.

ورغم أن المشروع لم يكن ذا طابع اقتصادي مباشر، إلا أن تنفيذه خلق فرص عمل مرحلية داخل القرية، وفعّل من دور المجلس في إدارة مرفق جديد ضمن نطاق مسؤولياته. كما ساهمت الحديقة في تنشيط فكرة الإدارة المحلية للمساحات العامة، ضمن نموذج قابل للتوسّع والبناء عليه مستقبلًا.

هذا المشروع جزء من برنامج المنح الفرعية الذي ينفذه الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية في المناطق المسماة "ج". المبادرات المنبثقة عن هذا البرنامج ليست مجرد تحسين للبنية التحتية، بل أدوات عملية لتثبيت الناس في أرضهم، وتوسيع مساحات الحياة في وجه الحصار والمصادرة، وتحويل التنمية إلى فعل صمود يومي يحفظ الحق والذاكرة والوجود.

بتمويل من: الاتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون