المغير | الساحات العامة كمساحة للحياة في وجه المصادرة
إلى الشمال الشرقي من رام الله، وعلى مشارف الأغوار، تقف قرية المغير في مواجهة يومية مع الاستيطان والإغلاق. هذه القرية الصغيرة، التي يقطنها نحو 4,000 نسمة، كانت تملك 43 ألف دونم من الأراضي الزراعية والرعوية. اليوم، لم يتبقَّ لها سوى 980 دونمًا صالحة للاستخدام، بعد أن التهم الاحتلال بقيوده ومصادراته معظم المساحات، وأعلنها مناطق عسكرية مغلقة. في مكانٍ تقوم فيه الحياة على الزراعة وتربية المواشي، باتت الأسس تهتز: قطعان بيعت بسبب غلاء الأعلاف، أراضٍ حُرم الناس من الوصول إليها، واعتداءات تطال حتى ساحات اللعب ومدارس الأطفال.
في هذا المشهد المقيد، جاء مشروع تأهيل الساحات والمرافق العامة في المغير كمحاولة شجاعة لإعادة شيء من الحياة. على مساحة 4,600 متر مربع، صُمّم فضاء عام متعدد الاستخدامات: ساحات مظللة للتجمعات، ملاعب آمنة للأطفال، أماكن جلوس تراعي خصوصية النساء، ومرافق تتيح مشاركة كاملة للأشخاص ذوي الإعاقة. لم يكن الهدف إنشاء حديقة تجميلية، بل خلق متنفس حقيقي يواجه العزلة الاجتماعية التي فرضتها المصادرات والحواجز.
ولأن الصمود لا ينفصل عن الاقتصاد، حمل المشروع بعدًا معيشيًا ملموسًا. فقد وفر 33 فرصة عمل، وساهم في رفع موازنة المجلس بنسبة 9%. وضمن المشروع مساحة مخصصة للنساء لتحويل إنتاجهن البيتي من المأكولات والمخبوزات إلى مصدر دخل مستدام، وفرصة للأشخاص ذوي الإعاقة للمساهمة في إدارة المرافق.
لكن جوهر المشروع الأهم يكمن في طريقته: لم يُفرض من الخارج، بل اختارته القرية نفسها. لجنة محلية من النساء والشباب وضعت الأولويات، ونفّذ الأهالي المشروع بأنفسهم عبر 70 يومًا من العمل التطوعي. وهنا بالضبط يظهر المعنى الأعمق للمبادرة: ليست مجرد بنية تحتية، بل مساحة تولد من المجتمع، ولأجله.
اليوم، تقدم المغير لزوارها مشهدًا مختلفًا: قرية محاصرة من جهاتها الأربع، لكنها استطاعت أن تنتزع لنفسها فسحة آمنة وسط هذا الطوق. الحديقة ليست مجرد ملاعب أو مقاعد، بل مساحة صمود إنساني، تثبت أن المجتمع قادر على حماية أبنائه وبناء فضاءات للحياة رغم القيود. إنها محاولة خجولة، لكنها تحمل رسالة واضحة: أن التنمية، حتى في أكثر البيئات هشاشة، قادرة على أن تكون فعل مقاومة يومي يعيد للناس بعضًا من حقهم الطبيعي في العيش بكرامة.
هذا المشروع جزء من برنامج المنح الفرعية الذي ينفذه الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية في المناطق المسماة "ج". المبادرات المنبثقة عن هذا البرنامج ليست مجرد تحسين للبنية التحتية، بل أدوات عملية لتثبيت الناس في أرضهم، وتوسيع مساحات الحياة في وجه الحصار والمصادرة، وتحويل التنمية إلى فعل صمود يومي يحفظ الحق والذاكرة والوجود.
بتمويل من: الاتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون