الفندقومية | مشروع إنشاء حديقة عامة
إلى الجنوب من جنين، يمرّ خط السكة الحديدية العثمانية بمحاذاة الفندقومية، حاملاً ذاكرة عبور طويلة، وموصلًا القرية بسردية أكبر من حدودها الضيقة. وعلى امتداد هذا الأثر، تنفتح مسارات بيئية تُبرز طبيعة خلابة تجعل المكان لوحة تستدعي التأمل. غير أنّ خلف هذا الغنى الطبيعي والتاريخي، تتكشف حقيقة قاسية: الفندقومية، شأنها شأن قرى أخرى في المناطق المسماة "ج"، تُحاصرها القيود، وتُعطَّل فيها إمكانات التنمية، وتُقيَّد قدرتها على التخطيط لمستقبلها.
في هذا السياق، أخذ المشروع شكله: ثلاثة عشر دونمًا من الأرض تحوّلت إلى ساحة حيّة، تجمع بين الاجتماعي والاقتصادي. أُقيمت ساحات مظللة للأنشطة، وملاعب تحفظ سلامة الأطفال بعيدًا عن الطرقات، وأماكن جلوس تراعي حضور النساء، ومرافق خُصصت لتستوعب جميع فئات المجتمع، بما في ذلك ذوو الإعاقة. وإلى جانب ذلك، أُنشئت كافتيريا صغيرة بدور أبعد من كونها خدمة إضافية، إذ فُتحت لتكون مساحة عمل، وتفتح بابًا لدمج فئات طالما أُقصيت عن سوق العمل.
المشروع لم يقتصر على تعديل ملامح المكان، بل أعاد تعريفه. هنا، تداخل البُعد الاجتماعي مع الاقتصادي: أُتيحت 31 فرصة عمل مباشرة، وإيرادات إضافية رفعت موازنة المجلس بنسبة 7%، ومساحات أُفردت للنساء كي يُحوّلن إنتاجهن المنزلي إلى مصدر دخل مستدام. ومع امتداد الحديقة نحو المسارات البيئية وخط السكة العثمانية، لم تعد متنفسًا محليًا وحسب، بل غدت وجهة سياحية صغيرة تفتح أمام القرية أفقًا جديدًا للاستثمار والتنمية.
المعنى الأعمق تجلّى في المشاركة الشعبية؛ خمسون يومًا من العمل التطوعي لم تكن مجرد أرقام في سجلات المشروع، بل حضورًا يثبت أن الملكية الحقيقية تنبع من الأيدي التي ترتب الحجارة وتغرس الأشجار. بهذا التفاعل، أصبحت الحديقة امتدادًا لوعي المجتمع وذاكرته الجمعية، لا منشأة عابرة تُسلَّم عند اكتمالها.
اليوم، تعرّف الفندقومية نفسها من خلال هذا الفضاء الجديد: قرية تصل تاريخها العثماني بواقعها الراهن، وتصوغ على أرضها مساحة عامة تقاوم الغياب بالإصرار على الحضور. بين البعد الترفيهي والاقتصادي والسياحي، يتكرّس البعد الأعمق: أن التنمية، حتى في قلب المناطق "ج"، هي فعل صمود يومي ورسالة واضحة بأن الأرض يمكن أن تتحوّل، رغم القيود، إلى مساحة حياة.
هذا المشروع جزء من برنامج المنح الفرعية الذي ينفذه الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية في المناطق المسماة "ج". المبادرات المنبثقة عن هذا البرنامج ليست مجرد تحسين للبنية التحتية، بل أدوات عملية لتثبيت الناس في أرضهم، وتوسيع مساحات الحياة في وجه الحصار والمصادرة، وتحويل التنمية إلى فعل صمود يومي يحفظ الحق والذاكرة والوجود.
بتمويل من: الاتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون