الطيبة | مشروع إنشاء حديقة عامة
لكل أرض حكاية، وحكاية الطيبة متجذرة في عمق التاريخ المقدس. في العهد القديم عُرفت بـ "عفرة"، وفي العهد الجديد صارت "أفرايم"، المدينة التي احتمى بها السيد المسيح وتلاميذه. ثم مر بها صلاح الدين الأيوبي، فانبهر بكرم أهلها وطيبتهم وقال كلمته: "ما أطيب أهلها!"، فحملت القرية منذ ذلك اليوم اسمها الحالي. اسمٌ يحمل إرثًا دينيًا وإنسانيًا، وصار اليوم عنوانًا لصمود أهلها في وجه التحديات.
على مرمى حجر من جدار الفصل، حيث تُفرض الحقائق بالقوة وتُقيَّد الحركة، تقف الطيبة شامخة. يقيم فيها ما يقارب ثلاثة آلاف مواطن، كل واحد منهم يحمل على كتفيه قصة بقاء. أكثر من نصفهم—ستة من كل عشرة تقريبًا—يعيشون بمحاذاة الجدار مباشرة، كأن الإسمنت صار جارًا يوميًا لهم.
التحدي لا يقتصر على نقص الخدمات، بل يمتد ليصنع شعورًا دائمًا بالعزلة ومحاولة متواصلة لاقتطاع المساحات الحيوية. الأطفال كبروا بلا ملعب، والشباب بلا فرصة تثبّتهم في أرضهم، والنساء والفئات المهمشة—ستة من كل عشرة وجوه في القرية—على الهامش، رغم أنهم في الواقع خط الدفاع الأول عن استمرار الحياة.
لكن أهل الطيبة آثروا الوفاء لاسم قريتهم. اجتمعوا رجالًا ونساءً وشبابًا في لجنة مجتمعية، وكان أربعة من كل عشرة أصوات فيها لنساء وشباب طالما وُضعوا جانبًا، لكنهم هنا أصبحوا في صدارة القرار. مطالبهم لم تكن كبيرة: مساحة آمنة، متنفس للأطفال، فرصة عمل تحفظ الكرامة.وعلى قطعة أرض صغيرة لا تتجاوز 300 متر مربع—مساحة أصغر من ملعب مدرسة—انبثقت فسحة حياة لقرية بأكملها. ارتفعت فيها ألعاب الأطفال، وامتدت مقاعد تجمع العائلات، وصار الكشك الصغير يدر 5% دخلًا إضافيًا للمجلس، ويمنح النساء والشباب فرصة للتمكين. المشروع خلق 18 فرصة عمل، وكل فرصة منها لم تكن وظيفة عابرة، بل عائلة جديدة تقرر أن تبقى متجذرة في أرضها.
قصة الطيبة اليوم تتجاوز حدودها؛ فهي ملاذ تاريخي تحوّل إلى ملاذ معاصر للصمود. إنها الدليل أن المجتمعات على خط التماس قادرة أن تحوّل العزلة إلى فضاء، والحرمان إلى مبادرة. إنها الحكاية التي تقول بوضوح: إرادة الناس أقوى من أي جدار.
هذا المشروع جزء من برنامج المنح الفرعية الذي ينفذه الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية في المناطق المسماة "ج". المبادرات المنبثقة عن هذا البرنامج ليست مجرد تحسين للبنية التحتية، بل أدوات عملية لتثبيت الناس في أرضهم، وتوسيع مساحات الحياة في وجه الحصار والمصادرة، وتحويل التنمية إلى فعل صمود يومي يحفظ الحق والذاكرة والوجود.
بتمويل من: الاتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون