قلنديا | مشروع إنشاء حديقة ومرافق عامة

«مَرَرْنا على دارِ الحبيب فردّنا عن الدار قانونُ الأعادي وسورُها»؛ ودار الحبيب هي القدس، والصدّ كان هنا في قلنديا. البلدة التي لا تبعد عن المدينة سوى دقائق قليلة، غدت منذ أكثر من عقدين محاصَرة بالجدار والحواجز. الطريق القصيرة صارت متاهة من الانتظار، والهواء محمّل بالغبار والازدحام، فيما الحياة اليومية تُدار تحت ثقل التصاريح والأوامر.

وأمام هذا الواقع، حيث تضيق المساحات وتفتقد البلدة أماكن عامة تحفظ حياة الناس، أخذ المشروع شكله: تأهيل الساحات والمرافق العامة في قلنديا، عبر تطوير الملعب الخماسي القائم واستغلال 1,200 متر مربع من الأرض المستأجرة من الأوقاف. لم يكن الهدف مجرد ترميم ملعب، بل تحويله إلى فضاء متكامل يضم حديقة مزروعة بالأشجار، مقاعد مظللة للزوار، أربعة مرافق صحية عامة، وأكشاك تجارية تمنح المجلس موردًا إضافيًا وتفتح باب العمل أمام الشباب.

الأثر امتدّ إلى تفاصيل الحياة اليومية: الأطفال وجدوا مكانًا آمنًا للعب، النساء وسّعن نشاطاتهن في فضاء يرحّب بحضورهن، والشباب شاركوا في الإدارة والعمل، بمن فيهم أشخاص من ذوي الإعاقة. المجلس المحلي بدوره وجد في العوائد الجديدة قدرة أكبر على تطوير خدماته، فيما شكّل الموقع مساحة إضافية للمركز النسوي وللأنشطة المجتمعية التي افتقدتها البلدة طويلًا.

ولأن الفضاء لا يكتمل من دون الناس، جاءت المشاركة المجتمعية لتجذّر المعنى؛ لجنة محلية ضمّت نساءً وشبابًا تولّت تحديد الأولويات، والأهالي واكبوا التنفيذ بروح من الانتماء والمسؤولية. بهذا تحوّل المشروع من تدخل هندسي إلى تجربة حقيقية في الشراكة والملكية المجتمعية.

المشروع في قلنديا لم يكن حلًّا نهائيًا لمشكلات البلدة، لكنه خطوة عملية في مسار طويل يقوده المجلس المحلي لمواجهة العزلة التي فرضها الجدار والحواجز. هو محاولة واقعية لتأمين مساحات عامة تحفظ للناس كرامتهم، وتمنحهم متنفسًا يعيد صلتهم ببعضهم وبمكانهم. وبهذا، يظل شاهدًا على أن التنمية هنا ليست ترفًا عمرانيًا، بل فعل صمود يومي ورسالة أن المجتمعات، رغم القيود، قادرة على صناعة مساحات حياة جديدة

هذا المشروع جزء من برنامج المنح الفرعية الذي ينفذه الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية في المناطق المسماة "ج". المبادرات المنبثقة عن هذا البرنامج ليست مجرد تحسين للبنية التحتية، بل أدوات عملية لتثبيت الناس في أرضهم، وتوسيع مساحات الحياة في وجه الحصار والمصادرة، وتحويل التنمية إلى فعل صمود يومي يحفظ الحق والذاكرة والوجود.

بتمويل من: الاتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون