مشروع توريد جهاز مساحة GPS – إسكاكا، ياسوف، فرخة

في خطوة تتجاوز الحلول التقليدية، نجحت قرى إسكاكا، وياسوف، وفرخة في محافظة سلفيت في تحويل جهاز مساحة GPS متطور إلى أداة للتنمية والحوكمة المشتركة، في مبادرة نوعية تهدف إلى تعزيز الإدارة المستدامة للأراضي والموارد في المناطق المسماة "ج".

المشروع، الذي قد يبدو للوهلة الأولى مجرد توريد لجهاز تقني، يكشف عن نموذج إداري مبتكر لمواجهة تحديات تنظيم الأراضي والتوسع الزراعي. فبدلاً من أن تعمل كل قرية بمفردها، قررت المجالس القروية الثلاث توحيد مواردها لمعالجة مشكلة مشتركة، مما يمثل تحولاً في ثقافة العمل المحلي من الفردية إلى التشاركية.

يكمن "ذكاء" المبادرة في أنها لا تقدم حلًا مؤقتًا، بل تبني قدرة محلية مستدامة. فمن خلال تدريب شباب من القرى الثلاث على استخدام جهاز المساحة، يتم "توطين" هذه الخدمة التقنية التي كانت في السابق مكلفة وتتطلب الاستعانة بخبراء من خارج المنطقة. هذا يعني أن الأهالي أصبح بإمكانهم الآن الحصول على خدمات مساحية دقيقة لتنظيم أراضيهم وحل النزاعات وتخطيط المشاريع الزراعية بأسعار مخفضة، وبأيدي أبنائهم.

هذا التحول له أثر اقتصادي مباشر يتجاوز مجرد توفير التكاليف. فالمشروع لم يخلق فقط فرص عمل جديدة للشباب الذين تم تدريبهم، بل أسهم أيضًا في زيادة إيرادات المجالس القروية الثلاث بنسبة 5% بحلول عام 2025. هذه الزيادة في الإيرادات ستُمكن المجالس من تحسين الخدمات العامة وتوسيع المساحات الخضراء، مما يعود بالنفع على أكثر من 5,700 مواطن.

الأهم من ذلك، أن هذا النموذج يعزز من صمود المجتمعات في المناطق المسماة "ج"، حيث يمثل تنظيم الأراضي وتثبيت ملكيتها تحديًا وجوديًا. بامتلاك القدرة على مسح وتخطيط أراضيهم بشكل دقيق ومستقل، تكتسب هذه القرى أداة استراتيجية للدفاع عن مواردها وتخطيط مستقبلها التنموي بثقة أكبر.

إن مشروع قرى إسكاكا، ياسوف، وفرخة يقدم مثالًا ملهمًا على أن الحلول الأكثر تأثيرًا قد لا تكون الأضخم، بل الأكثر ذكاءً وتشاركية. فمن خلال جهاز واحد، وإرادة جماعية، تمكنت ثلاث قرى من رسم ملامح مستقبل أكثر تنظيمًا واستدامة، مؤكدة أن العمل الجماعي وتوطين التكنولوجيا هما أقصر الطرق نحو تنمية حقيقية.

هذا المشروع جزء من برنامج المنح الفرعية الذي ينفذه الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية في المناطق المسماة "ج". المبادرات المنبثقة عن هذا البرنامج ليست مجرد تحسين للبنية التحتية، بل أدوات عملية لتثبيت الناس في أرضهم، وتوسيع مساحات الحياة في وجه الحصار والمصادرة، وتحويل التنمية إلى فعل صمود يومي يحفظ الحق والذاكرة والوجود.

بتمويل من: الاتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون